أما بعد,
... معلمي العزيز
... أكتب هاته الرسالة و لست أدري هل لا زلت –يا معلمي- حيا ترزق, تنشر نورك في الجنبات المظلمة من هذا الوطن, أم انتقلت لتجاور الرسل و الأنبياء هناك حيث الهدوء و السكينة, هناك حيث جزاء الإحسان إلا الإحسان, فنعم المحسنين و الخيرين أنت. أكتب لك –معلمي الغالي- بعد كل هاته السنوات تعبيرا لك عن احترامي و تقديري لما قدمته لتلك الأجيال التي تتلمذت على يديك الطاهرتين, تلك اليدين اللتين قبلناهما على سبيل العادة فقط, و بعد مرور السنين فهمت أن كل تلك القبل لم و لن توفي مثقال ذرة مما غمرتنا به من حب و علم, لا أخفيك سرا أنني درست بالإعدادي و الثانوي و حتى مرحلة التعليم العالي عند العشرات من الأساتذة, لكن مرحلتك كانت الأفضل, كانت الأحلى, كنت معلمنا داخل و خارج المدرسة, معك تعلمنا أبجديات الأخلاق و المعاملات, كلما قلت "بسم الله" و أكلت باليمنى و قرأت الفاتحة ... تذكرتك ! بفضلك من بعد الله خططنا و كونا أول جملنا, معك تعلمنا أن تفاحة و تفاحة تساوي تفاحتين و إذا أخذنا من هما واحدة تبقى واحدة ! في أعياد العرش كنت مكتشف مواهبنا, كنت مدرب الكرة و المؤطر و أستاذ المسرح ... و كنت الأب ! معلمي الرائع, ضرباتك و عقوباتك و كلماتك التي أبكتنا ذات يوم, أؤمن أنها السبب في تحقيق أمنياتي و سعادتي اليوم لذا لن ألومك و لن أندم على الأيام مرت في ذلك القسم الجميل, فما أقسى طبيعة هذه الحياة الدنيا, ما من متعة فيها إلا ينغصها الفراق. معلمي ... أعلم أنني إن أردت أن أوفي حقك فلن أوفيه و لو استعملت جميع مصطلحات الحب و التقدير و الإمتنان, أدعو الله أن يجعل أعمالك و هاته الصدقات الجارية المتمثلة في تلاميذ غدوا نساء و رجالا صالحين نافعين لمجتمعهم في ميزان حسناتك. كنت بيننا أو هناك بجوار ربك, حق لك أن ترفع رأسك و تفتخر بما صنعت معلمي الغالي. أحبك ! تلميذك المخلص