سأقدم كتابتي هذه لا محللا و لا منتقدا و لا معلقا بل متسائلا و ملاحظا و ناقلا وواصفا لحدث قد يسمعه مستمع،أو يطلع عليه قارئ في صحف أو مجلات ،أو يشاهده متفرج في قناة التلفاز.ففي معرض الحديث عن مقارنة بين المدرسة الخصوصية و المدرسة العمومية في إحدى الإذاعات الخاصة(إذاعة chada FM. ( ،أيهما أحسن التعليم بالمدرسة العمومية أو بالمدرسة الخاصة أو الخصوصية؟ كانت المذيعة تدير الحوار إلى جوار من قدم نفسه انه مفتش التعليم الابتدائي.وهذه الوضعية أعطته أكثر من غيره القدرة على الكلام و المقارنة بين التعليم العام و الخاص،باعتباره من يقوم بزيارات للنوعين معا.كانت المذيعة تدفع بوعي أو بدون وعي،المتحدث إلى الهجوم على المدرسة العمومية،بانتقادها و اتهامها بالفشل في صنع أجيال قادرة أن تحصل على مستوى تعليمي و علمي جيد .إنها تنقل بأمانة ما يداوله الناس في لقاءاتهم الخاصة و العامة من تقريع و تجريح و انتقاد لواقع المدرسة العمومية. تحدث السيد المفتش من واقع العارف لما يدور في مطبخ المدرسة: 1)التعليم العام لا يخضع للمتابعة le suiviفالجهاز الإداري منشغل بمشاكل دخول التلاميذ إلى الحجرات ،و حضور المدرسين و المشاكل مع آباء و أولياء التلاميذ،و تطبيق المذكرات و التصدي لظاهرة التغيب و التأخر ،و في بعض الأحيان ،إلى ظاهرة العنف المدرسي. 2) لا يخضع المدرسون في التعليم العمومي للتكوين المستمر حتى يواكبوا ما يحدث في عالم التربية من تغيرات.و التلميذ هنا و هناك،في وضعية استماع أو كتابة أو حفظ،وليس في وضعيات اكتساب لمهارات و كفايات يسميها المختصون /كفايات استعراضية أو مستعرضة(أي تلك التي تخرج من جدران المدرسة لتدخل إلى أبواب المجتمع و الحياة). بهذا المنظور تصبح المدرسة هي مؤسسة تمنح شهادات امتلاك معارف مخزنة في الذاكرة ،و ليس شهادة امتلاك مؤهلات علمية او ثقافية أو منهجية أو سياسية أو اجتماعية ،وغيرها من المؤهلات التي ترقى بالكائن البشري من كونه فردا إلى كونه إنسانا. 3) المدرسون في التعليم الخاص، هم مدرسون بدون تكوين بيداغوجي(نفسي/ تربوي) .كانوا بالأمس تلاميذ ،و أصبحوا الآن مدرسين بدون خبرة ولا تأطير قبلي.كل العمليات التعليمية سوف يتعلمونها بطريقة سليمة أو خاطئة من الممارسة.و لهذا هناك أخطاء يرتكبونها على كل المستويات .ولكن الايجابي هنا ،أن المدرس يخضع للمراقبة المباشرة للتلميذ و الإدارة وآباء التلاميذ.فالمدرس في هذه الوضعية إما أن يعمل أو يطرد،عكس التعليم العمومي تماما. أثناء الحوار ،عرجت المذيعة إلى الاستماع لآراء التلاميذ في الموضوع(تلاميذ المدرسة الخصوصية طبعا) لاستطلاع نظرتهم للأمور.ومن خلال تدخلاتهم ترى أنها تدور حول مسؤولية المدرس في موت المدرسة العمومية وتدهور مستوى التعليم بها و مستوى المتعلمين: أ)ان التلميذ في المدرسة العمومية لا يحضر دروسه و لا يحينها،ولا يسال عن التحضير،بسبب لا مبالاة المدرس ب) أثناء المراقبة المستمرة و الواجبات و الفروض و حتى الاختبارات ،بل قد يصل الأمر حتى في بعض الامتحانات(مثلا امتحان السنة السادسة)،تكتب الإجابات على السبورة و ما على التلميذ إلا نقلها وعوض أن يراقب المكلف بحراسة التلاميذ،فانه يراقب من كلف بالمراقبة حتى لا يضبطه في حالة تلبس)،لا يهتم المدرس بمراقبة التلاميذ ،بل يتركهم يتناقلون من بعضهم بعضا،بينما المدرس في نظرهم يضع رجلا على رجل وهو يقرأ الصحيفة ،آو يحل الكلمات المتقاطعة. ج) المدرس يتغيب كثيرا بالرخص المرضية،و المشاركة في الإضرابات.و التلاميذ ينجحون بسهولة،إذ ينجح وهو غير متمكن من القراءة و الكتابة و الحساب. هذه نماذج من تعليقات التلاميذ عن المدرسة العمومية و المدرسين و التلاميذ بها.طبعا هذا ما يروجه مالكي المدارس الخاصة،و ما يعتقد به بعض الإباء الذين يحملون فكرا نخبويا انتهازيا.و إن كنا نؤمن انه يحمل بعضا من الحقيقة و ليس الحقيقة كلها. علق المفتش على هذه التدخلات ملاحظا أن المدرس لا يمكنه أن يقرأ صحيفة داخل القسم الخصوصي ،ولا يستطيع أن يتغيب متى شاء (لان أجرته ستتقلص في كل تغيب)،ولا يشارك في أي إضراب،وإذا قام بذلك،سيتعرض لفقدان عمله.و التلاميذ لهم كل الإمكانيات المادية و الثقافية و الاجتماعية لمسايرة الدروس داخل المدرسة و خارجها عن طريق دروس الدعم الخاصة أيضا.وبهذا المنطق ،فالتلميذ بالمدرسة الخاصة يملك كل الظروف المساعدة على التعلم و التفوق و النجاح.و التلاميذ لهم تنافسية وروح قتالية حول المراتب الأولى… إن ما سبق يؤدي بنا الى القول أن المدرسة العمومية في حالة احتضار،وان المجتمع بوسائله المختلفة (المدرسة و الإعلام السمعي و السمعي البصري و المقروء)يروج لموت المدرسة العمومية،ويسعى إلى إعلان موعد تأبينها.فمن المسؤول عن وصولنا إلى هذه الوضعية المأساوية و التراجيدية؟؟. سنضيف مقطعا مما قاله الراحل الدكتور محمد عابد الجابري ،في كتابه /رؤيا تقدمية لبعض مشكلاتنا الفكرية و التربوية،مطبعة دار النشر المغربية 1977،ص 158/159://إن قضية التعليم و قضية الخبز في هذا العصر،وفي بلادنا ،هي قضية واحدة.أن من يملك الخبز يستطيع أن يتعلم،ومن تعلم يستطيع أن يملك الخبز.والنضال من اجل التعليم و الخبز نضال ضد طبقة واحدة،هي الطبقة التي تحتكر الاقتصاد و العلم والثقافة// و للسخرية و الإشفاق من حال بعضنا اقو ل أن بعض الانتهازيين و المحسوبين على الفئة المثقفة و الثرية ،حينما يذهبون إلى بعض المدرسين المعروفين بتقديم الدروس الخصوصية ،يحرصون أن تكون هذه الدروس لا بنائهم فقط دون إضافة أي عنصر آخر,ضاربين كل المعايير الأخلاقية و الاجتماعية و الوطنية و الإنسانية،متمسكين فقط بأنانية حيوانية انتهازية و فكر نخبوي مقيت.لأنهم لا يملكون حسا إنسانيا أو وطنيا أو اجتماعيا ،بل حسا ما يجعل منهم بشرا فقط،بدرجة://حيوان ناطق//،رغم ان ديننا يحرص ان تحب لأخيك ما تحبه لنفسك،أليس كذلك؟؟؟ صايم نورالدين