مقاربة المشروع التربوي الصفي
عناصر البحث :
ü أولا: تقديم
ü ثانيا: البرنامج السنوي ومشروع المؤسسة
ü ثالثا: روح المبادرة
ü رابعا: المشروع التربوي الجيد
ü خامسا: بيداغوجيا التعاقد
ü سادسا: المشروع الصفي
ü سابعا: مراحل إنجاز مشروع القسم
ü ثامنا: وظائف المشروع الصفي
ü تاسعا: بطاقة تقنية للمشروع الصفي
ü عاشرا: خاتمة
أولا: تقديم
لعل المدرسة باعتبارها مؤسسة للتربية والتكوين بامتياز، وفضاء لتأهيل العنصر البشري وحسن ترشيده، بجعله في خدمة التنمية، وتسهيل اندماجه في سوق الشغل، كنتيجة حتمية بقوة ارتباط السبب بالمسبب، والدال بالمدلول، فتزداد الإنتاجية والمردودية بقدر قابليته على الانخراط في الشأن العام، حسب قابلية السوق على استيعابه.
إن كلمة مدرسة تعني الكثير، فقديما كان يطلق اللفظ على المدارس الفكرية: كالبنيوية والوضعية، العقلانية والتجريبية والحسية، حيث تخرج منها عظماء، وكونت جيلا من المفكرين، ورواد التنظير، فأصبح وصف "مدرسة" يطلق على كل توجه قطع أشواطا في المعرفة و الفكر، وأسس لتيار بات مرجعا .
حاليا، تغير مدلول اللفظ، وبات دور المدرسة يقتصر فقط على التلقين وفق برنامج ومنهاج، أهداف وكفايات، طرائق وأساليب، بيداغوجيا و ديداكتيكا...
يقتضي الوضع الحالي الوقوف على مواطن الخلل والداء والإحاطة بكل جوانب المسألة، حتى يتسنى إصدار الأحكام الموضوعية بعيدا عن القيمية و المعيارية، لنتمكن من القول بكل بساطة أن المدرسة المغربية تعاني إشكالية غياب المشروع، وأزمة حقيقية على مستوى برنامجها، وحتى لا يتم الخلط واللبس على المستوى الاصطلاحي ، لا بد من التمييز بين : المنهج والمنهاج والمنهجية والبرامج وبرنامج العمل، على الرغم من التقارب الدلالي بينها .
فإذا كان مفهوم المنهاج يشير إلى جميع الأنشطة والبرامج التعليمية التي يتم تسطيرها باعتماد خطة مستقبلية تتضمن الأهداف المراد تحقيقها، والمنهج هو مجموع الأليات والوسائط والإمكانات المتبعة في البحث لتحقيق التعلم الجيد، فإن المنهجية هي عبارة عن إجراءات السيرورة العملية الإجرائية كقناة للتواصل بين البات و المتلقي، أما البرنامج فيتضمن جميع المشاريع و الإجراءات العملية المزمع تنفيذها وفق أهداف محددة وجدولة زمنية، وهي كلها محددات تتكامل وتتداخل لخدمة العملية البيداغوجية .
إن غياب المشروع التربوي الإجرائي قد أدى إلى غياب الانسجام بين المجتمع والمدرسة، حيث أصبحت هذه الأخيرة عاجزة عن إنتاج موارد مؤهلة وقادرة على الانخراط بفاعلية ضمن مسلسل التنمية .
بالتأكيد فإن الحياة المدرسية مرحلة لبناء وتكوين الطاقات، دعم المعارف و السلوكات والمهارات، وتعبئة الموارد البشرية وتأهيلها لأجل الانخراط السليم في البيئة الاجتماعية والتأثير فيها بإيجابية، والعمل على بناء مجتمع مدني قادر على المساهمة في عملية الإنتاج، مما يتطلب أمران أساسيان :
ü اعتماد برنامج العمل السنوي وفق جدولة زمنية محددة .
ü تبني مقاربة المشروع التربوي .
ثانيا: البرنامج السنوي ومشروع المؤسسة
إن اعتماد استراتيجية المشروع، وجعله ضمن أولويات الشأن التربوي، وتبني برنامج عمل مسطر سلفا، ومبني على أسس متينة ترتكز على التربية و البيئة الاجتماعية، هو ضرورة ومطلب ملح لكل عمل منظم يندرج ضمن تفعيل حقيقي للمجال المدرسي، بل قد تفرض المرحلة أن يكون ضمن مبادئ وأسس العمل الناجح ضرورة توفر برنامج عمل يعتمد على مشاريع مؤسسة.
و للتدقيق أكثر، فإن نجاح الحياة المدرسية يتطلب الانسجام والتكامل بين كل من البرنامج والمشروع، كما يحتم وجود برنامج عمل ومشروع مؤسسة قادران على تحقيق الأهداف المسطرة، كتنمية الجانب المؤسساتي، التعاوني، والاجتماعي، الشيء الذي يفرض إشراك كل مكونات الجسد التربوي، بتفعيل مجالس المؤسسة وبإسهام الفاعلين و الشركاء، فإذا كان البرنامج هو سلسلة من المكونات التي ترتكز على أسس المبادرة، وتخدم أبعاد العمل التشاركي وتراعي البيئة الاجتماعية كأولوية، بالإضافة إلى الجوانب النفسية والتربوية التكوينية الهادفة إلى تنزيل سليم يتلاءم والاحتياجات الضرورية للفئة المستهدفة، فمن اللازم إذن أن يرتكز البرنامج على المجال البيئي، كما يجب أن يخدم النمو العقلي والجانب المهاراتي والمعرفي للطفل من خلال استثمار كفاياته .
إن تنفيذ البرنامج، تحيينه وأجرأته باستمرار، يفرض اعتماد مشروع قادر على تلبية الحاجيات الملحة : الفكرية والثقافية والاجتماعية والتربوية لتحقيق الأهداف المرجوة، مما يجعله يضم في شموليته مجموعة مبادرات قضايا الشأن المدرسي التي تندرج ضمن مسمى التربية المدنية.
فالمشروع التربوي يستمد غاياته وتوجهاته من المحيط على كافة الأصعدة، فيخدم المنهاج الدراسي الذي ينتج و يكون القوة البشرية الكفيلة بالتأثير في المجتمع وإعادة بنائه، من دون معادلة من هذا القبيل ستبقى المدرسة حبيسة منهاج عقيم .
يتضح جليا الفرق بين المفهومين، فالبرنامج يحتوي مجموعة من العناصر والمكونات، ويتطلب تحقيقه تفعيل القدرات، وتجنيد الكفاءات والمهارات، أما المشروع فهو نهج وسبيل منظم وفق صيغة تعاقدية بين الأستاذ والمتعلمين لإنجاز عمل معين، ويعرفه شامير لاند كما يلي:*المشروع إدماج لمجموعة من المعارف والمهارات قصد تحقيق انجاز معين* أما فيليب بيرنو فيصفه بكونه مقاولة جماعية تدبرها جماعة القسم، فهو نموذج بيداغوجي يقوم على فعالية المتعلم، ووسيلة من وسائل التمركز حوله، فالعلاقة تكاملية بين البرنامج والمشروع، وإذا تناولنا موضوع الحياة المدرسية في إطار مقاربة كل من البرنامج والمشروع، فلابد من التأكيد على ضرورة ارتباطها بروح المبادرة، التي تشترط الدافعية و الرغبة .
ثالثا: روح المبادرة
تفرض قضية التربية نفسها على الجميع، إذ تصنف على رأس الأولويات، بحكم ترتيبها المتميز ضمن هرم كبرى الانشغالات، فقبل الخوض في غمار مسألة من هذا القبيل، والتي تعد من الأساسيات باتفاق المهتمين، باعتبارها صانعة لفكر مميز، قادر على تشكيل الحل الآني لأزمة السلوك قبل الفعل والممارسة، لابد من الإحاطة علما بظروف وملابسات الواقع الاجتماعي، الذي يعد المرآة العاكس للتربية، الأمر الذي يفرض جملة قضايا، على رأسها موقع انخراط القوة البشرية وإنتاج البدائل والحلول، حيث تحتم المرحلة الراهنة، فكرا للتدخل من نوع خاص، كما تفرض أيضا مبادرة متميزة، مبادرة ترتكز على أعمدة ثلاث: التربية، الممارسة، التفكير .
إنها ليست أزمة تنظير بقدر ما هي أزمة ممارسة ميدانية تفرض توحيد الرؤى والتوجهات بصدد أمر على درجة كبيرة من الأهمية، فهو جانب لا يقتصر فقط على إجرائية الأهداف، بل يفرض التنزيل الجيد للعامة منها والخاصة، الغايات الكبرى والمرامي، لأجل إنتاج فلسفة الميدان، يتعلق الأمر بالتربية على المبادرة .
نقصد بالتربية، تعويد السلوك على التحرك والانخراط في اتجاه خدمة هدف إنساني في شموليته، كما أن التربية كمفهوم واسع يحيط بكل ما هو بشري من خلال بناء شخصية الفرد، فإنها تشكل منظومة واسعة ترتبط بدلالات وقوانين تندرج ضمن عنصري الالتزام والتعاقد بين الطفل والراشد، إلى جانب السلوكات و المهارات التي يتم تلقينها وغرسها في الفئة المستهدفة، لتتحول إلى قدرات وكفايات يسمح باستثمارها في الحياة العامة استثمارا جيدا، ومن تمة يتم تحويلها إلى فكر الميدان، لتتمكن في النهاية من توجيه مصير المجتمعات والشعوب إلى كل ما هو إيجابي، و بالتالي خدمة قضايا المصير.
إن البيداغوجيا الجيدة، والمحدد الناجع لتحقيق رغبات ومتطلبات الواقع قصد الارتقاء به نحو الأفضل، والمساهم الأول في إنتاج القدرة على حسن الانخراط في الحياة العملية، هي وحدها الكفيلة بالتأسيس للممارسة الفعلية والجادة في الشأن العام، كما تهدف أساسا إلى خلق إنسان المبادرة، لذا فإنها تمثل هدفا لأطراف مجتمعة : الأسرة، المجتمع، المدرسة، حيث تعمل كلها في خط متواز، وتروم تحقيق مبتغى مشترك، هو صنع فكر الممارسة .
فمن التربية إلى الممارسة، وهي عملية جدلية تقترن إحداهما بالأخرى، فالعنصر البشري يمثل مركز الاهتمام والممارس في نفس الآن، فمن شروط خلق جودة الممارسة : أداء وتفعيل الأدوار التربوية بشكل جيد، من خلال تظافر جهود كل العناصر المساهمة في تربية الكائن البشري، حينذاك سيتحقق فكر الانخراط، والذي يعكس بجلاء القابلية للمبادرة، حيث تفرض هذه الأخيرة شروطا لإنجاح المهمة، وبالتالي تحقيق الغاية الكبرى من الوجود، فبفعل جملة العوامل والأسباب التي تمثل عراقيل أمام تحقيق المبتغى سالف الذكر، نجد : تغييب الهدف والانشغال بالهوامش، تعارض وتنافر العناصر المتدخلة والحاسمة في توجيه سلوك الأفراد، وهي : الأسرة، المدرسة، والمجتمع، طغيان المزاجية والفردانية في الفعل التربوي من طرف مثلث الحسم السابق ذكره، حيث بات كل عنصر يشتغل بمفرده، في غياب مطلق للتنزيل الجيد والناجع للأهداف، وكذا غياب اعتماد الاستراتيجيات والآليات الناجعة، بالإضافة إلى غياب الالتزام بالقضية باعتبارها من أسمى الأولويات، وعدم حضور الموجه الفريد للعملية، والذي يتجلى في توحيد الأهداف والسبل .
فأما عن الممارسة، فإنها لن تتمكن من تحقيق المرجو، كرفع المردودية، وجودة الفعل، إلا إذا اقترنت بالفاعلية الإنتاجية، فيكون البناء السليم للمادة والفكر على أساس الوصول إلى القدرة على التأثير في أمور الشأن العام، وكذلك من خلال الارتكاز على مقومات البيئة والتمسك بالهوية، فلابد للتربية أن تساهم في عمليتي التكوين ثم التأهيل من خلال البناء ثم التوجيه، لإنتاج الفكر المبادر، المبدع، الذي يعد بحق نتيجة حتمية لكل من التربية الجيدة وروح الممارسة، وهي الحلقة المفقودة في العملية كلها .
إن تفعيل الحياة المدرسية باعتبارها مجالا حيويا يملك بعدا شموليا يجعله يندرج ضمن معادلة تخدم المنظومة الشاملة للقيم، وترتكز على جملة القضايا الأساسية التي تعتبر التواصل البناء و الهادف، وصنع مقومات الحكامة الجيدة، من خصائصها الرئيسية، هي من محددات العلاقة بين المجتمع و المدرسة، باعتبارهما فضاءان يسمحان باستثمار المعارف والقدرات واكتساب المهارات وتوجيه الميول والرغبات، فلا زالت هذه العلاقة علاقة طلاق الشقاق بينهما.
إن الحاجة إلى بناء فكر المبادرة، والعمل على تعويد الطفل القدرة على الفهم والتحليل، وغرس روح التربية على الحوار الديمقراطي، هي من تجليات مقاربة الجودة، مما يجعل كل من : الأسرة، المدرسة والمجتمع، كعناصر أساسية ضمن معادلة تهدف بالأساس إلى تكريس السلوك الإيجابي، لكونها فضاءات واسعة تلعب أكبر الأدوار في تأهيل المورد البشري، كما تساهم في بناء جوانب الشخصية السوية، و تبقى المشاركة الفاعلة في جميع المشاريع المدرسية، وجعل الفضاء المدرسي مساحة خصبة للإبداع والتنشيط واكتساب المواهب وصقلها، ومجالا فسيحا ومريحا لتنمية الطاقات وإشباع الحاجيات وترسيخ حس المبادرة كسمة من سمات القيادة الفردية، كلها عوامل تساهم في بلورة مشروع تربوي جيد، فما هي تجليات المشروع البيداغوجي الجيد ؟
رابعا: المشروع التربوي الجيد
لا يكاد يختلف اثنان حول طبيعة المرحلة التي يمر منها الشأن التربوي التعليمي، فقد وقع الإجماع على ضرورة تبني خطة للإصلاح، وصياغة مشروع تشاركي ينطلق من القناعة بأهمية إضفاء الطابع المجتمعي، في إطار الدينامية، ومن خلال تفاعل أطراف الحسم : فاعل، متدخل، وشريك، حيث بات كل الأطراف معنيين بغية صياغة القرار الأنسب.
تقتضي المسألة خطوات : تبدأ باعتماد منهج ذو طابع علمي، من خلال تشخيص العملية بناء على أسئلة الإشكاليات المطروحة، والبحث عن العلة، ثم العلاج الذي يعتمد على الانتقائية في الحلول، قصد إيجاد الصائب، شريطة أن يتصف هذا الأخير بالنجاعة، لذا فمن المفروض اعتماد الآليات الكفيلة بحسن تصويب وتعديل الوضع للخروج من الأزمة.
قد يضعنا الأمر أمام إشكالات أخرى تتفرع عن الأزمة الفعلية : الاعتماد النسبي على التنظير القابل للتنفيذ والتطبيق الميداني، والبعيد عن الطروحات حبيسة الطوباوية، ومن تمة طرائق تنزيل النظري وتحويله إلى ممارسة نوعية، ثم ما سيعقب الأفكار من قرار، من الأجدر أن يكون حاسما، فكثيرا ما يتم الأخذ بنظريات لا تتلاءم مع طبيعة البيئة والمحيط، فتفرض طرائق، برامج ومناهج سرعان ما يلفظها الواقع البيداغوجي بحكم عدم الملاءمة، وناذرا ما يكتب لنا التوفيق، فيتم وضع اليد على مواطن الخلل، بتحديد المسؤوليات بدقة، واكتساب شجاعة النقد الذاتي، فيسهل تجاوز الاختلالات و النقائص .
يقطع المشروع أشواطا، فهو يمر من التنظير نحو الممارسة، ومن تفاعل عصارة الأفكار إلى حسن تنزيلها، فقد تكون الأزمة الفعلية أزمة تنظير، حيث نجد أنفسنا أحيانا أمام كم من الأفكار التي قد تبدو نافعة، لكن سرعان ما تصطدم بالجانب العملي، الذي يعتبر المحك الرئيسي للتحقق، فعند الشروع في عملية التطبيق تكون النتيجة عكسية، مما يصعب معه العودة من جديد إلى نقطة البداية، ولن تكون الفرصة سانحة لتكرار الأمر في كل الأحوال .
فالشرط المطلوب لتتحقق الموضوعية والنجاعة، هو أن يتصف النظري بالدقة وانسجام الأهداف و الكفايات مع الواقع، بناء على الاهتمام بتقديم الحلول، إذ أن مرحلة التشخيص، والغوص في المشكلات المطروحة قد انتهت، فقد بتنا أمام مرحلة الحسم، تفريغ الآراء واستخلاص العملي منها في اتجاه التأسيس لوضع ينسجم و حجم الانتظارات .
فالعلاقة تكاملية بين عالم الأفكار والواقع، بين النظري و الميداني، و الحديث هنا يجرنا بالأساس إلى اعتماد خطة حاسمة ومشروع ناجح، فكل الأفكار التي تروم إصلاح الوضع التربوي التعليمي علينا استحسانها، على الأقل في مراحلها الأولى، بل قد يكون الحكم عليها في الوقت الراهن بمثابة اغتيال لنية الإصلاح ومقاصده، وإصدار الأحكام الاستباقية لا تمثل سوى استثناءات شاذة قد تجرنا إلى نقد كل جديد، وكل نقد لا يقوم على أسس موضوعية بحثة، فهو من قبيل الهرطقات، ويظل التنظير سليما مادام محك الواقع لم يحكم بعدم صلاحيته، بشرط الاحتكام إلى المنهاج التنظيري الأقرب إلى التطبيق .
إن المجال التعليمي التربوي في حاجة إلى مشروع حقيقي، ولن يكون النجاح سوى إذا توفر عنصران أساسيان : التنظير الواقعي العلمي، والذي يعتمد على تراكم الخبرات والتجارب الميدانية، واتخاذ الخطوات المناسبة، ويبقى إشراك نساء ورجال الممارسة الميدانية في صياغة المشروع التربوي وفق مقاربة التعاقد، أبرز ركن ضمن معادلة الإصلاح، فمن دونه يظل المشروع الإصلاحي ناقصا وغير مكتمل الأبعاد، فما المقصود بالتعاقد ؟
خامسا: بيداغوجيا التعاقد
إن تحقيق العلاقة التفاعلية والمتشعبة بين مكونات المجتمع والأسرة والمدرسة كمؤسسات للتربية على القيم، ودعم مبادرات التكوين الذاتي، لا بد لها من بيداغوجيا التعاقد التي تمكن من خلق قيم التعاون، ونشر روح المسؤولية، لتحقيق الجودة التي يراهن عليها الجميع، ومن تمة فإن دور الفاعلين و الشركاء على السواء يتمثل أساسا في التوجيه وإرساء الحكامة الجيدة، وبناء الشخصية المتزنة للطفل، وترسيخ السلوك السوي لديه .
فلا شك أن منظومة التعاقد تقتضي خدمة الغايات المشتركة لأجل بناء شخصية الطفل، وغرس روح الابتكار لديه، وتعويده على المبادرة الذاتية، و إعداده للانخراط في الحياة الاجتماعية وخدمة الجوانب المعرفية و الوجدانية لشخصيته.
تعد المدرسة فضاء خصبا لإنتاج العادات السوية، وتصحيح التمثلات، فهي تصنف ضمن العوامل المساهمة في التنشئة الاجتماعية، لكنها تبقى غير مكتملة، فهي في حاجة إلى مشروع شمولي يندرج ضمن بيداغوجيا التعاقد المرتكزة على الطفل كهدف وكمحور العملية كلها، وإذا كان مضمون التعاقد هو ضبط العلاقة بين أطراف من أجل تبادل المنفعة التي تقتضي تحقيق أهداف مشتركة، فإن هاته العلاقة لا بد أن ترتكز على تعويد الطفل التعلم الذاتي ونشر قيم المبادرة والانفتاح على البيئة والمحيط، و في إطار التعاقد الثنائي، تبقى المدرسة والأسرة نواة التربية، باعتبارهما مؤسستان تعملان على خدمة الأبعاد المعرفية الثقافية والوجدانية، وكدا المساهمة في التنشئة الاجتماعية وتأهيل الفرد، وتيسير اندماجه في المحيط، وتنمية القدرة لديه على إبداء الرأي .
من دون شك، فإن فلسفة التعاقد بين الفاعلين والشركاء، كأطراف، والمؤسسات التربوية الاجتماعية، ضمن معادلة بيداغوجية، كدينامية لا بد منها، تهدف خدمة جوانب الحياة المدرسية والاجتماعية لإنتاج عنصر بشري مؤهل لأجل مدنية السلوك و الممارسة، فإنها تعتبر بحق بديلا فريدا لإنجاح المشروع البيداغوجي الذي هو في حاجة دائمة إلى تنزيل، كبيداغوجيا صفية في حاجة إلى مشروع صفي، أو مشروع القسم، فما المقصود بالمشروع الصفي ؟
سادسا: المشروع الصفي
ارتبط المفهوم بالتربية الحديثة الداعية إلى تشجيع المبادرة الفردية واكتساب الفكر التعاوني، فهو لا يخرج عن إطار المشروع التربوي الذي ظهر كمظهر من مظاهر التجديد التربوي، تبنته فرنسا منذ أوائل الثمانيات، وفرضته بنص قانوني صودق عليه سنة 1989 ، حيث ألحت التوجيهات الرسمية على تخصيص %10 من الغلاف الزمني لمشاريع صفية .
يعتبر مشروع القسم عملا تربويا يتمحور حول الطفل ليصبح فاعلا في العملية، من خلال المنحى التشاركي لأطراف مساهمة في إيجاد حلول عملية لوضعيات يواجهها المحيط المدرسي، فيتم اقتراح خطة عمل وانتقاء الوسائل قصد تحقيق المبتغى .
يعالج المشروع التربوي قضايا تربوية، ويعمل على دعم العمل المدرسي في مختلف مساراته، كما يجعل من الفصل الدراسي مجالا واسعا للإشعاع وتنمية القدرات والمهارات، يروم الرفع من جودة التعلمات، ويعمل على اكتساب المتعلم روح الفريق من خلال ممارسة الأنشطة والعمليات المسايرة لحاجيات الحياة المدنية، وتتجلى أهمية المشروع البيداغوجي الصفي في كونه خطة عمل يتم إعدادها وفق مراحل :
سابعا: مراحل إنجاز مشروع القسم:
يرتبط المشروع التربوي بالمؤسسة التعليمية وبالمجال الصفي البيداغوجي ارتباطا وثيقا، كما أنه مشروع تفاعلي دينامي، يحيط بمختلف جوانب ووضعيات مؤسسة التربية والتكوين، ويقوم بتوظيف الطاقات والمهارات لإنجاز عمل ميداني يستند على أهداف محددة ويسهر على أجرأتها وتنزيلها وفق استراتيجية تعتمد على آليات ولوجستيك مادي أدبي وبشري، فيقطع أشواطا : بدء بالتشخيص، دراسة الحاجيات، اعتماد خطة عمل لا تزيغ عن مسار الأهداف المسطرة، ثم تحديد السقف الزمني للإنجاز، واستثمار الموارد المتاحة و الكفاءات المتوفرة دون إهمال الاعتماد على مقاربة عمل الفريق وتوزيع المهام، كضرورة ملحة .
وإذا كان المشروع التربوي هو الأداة التي تخدم شخصية الطفل في جانبها الشمولي: وجداني، حركي، تربوي، تعليمي، فالطابع الإجرائي للمشروع هو الكفيل بالتنزيل السليم وتسطير الخطة الناجحة، فتتطلب عملية الإنجاز تفعيل الأدوار، وإشراك جميع مكونات الفصل الدراسي، مما يجعل المشروع يندرج ضمن الجانب التعاوني المؤسساتي، فهو مسعى مرتبط بفترة زمنية محددة يروم الوصول إلى نتيجة حتمية مرتبطة بقدرة وإمكانية تحقيق الغايات والأهداف، لكن نجاحه يفرض تلاحم وانسجام ثلاث مراحل: الإعداد، التنفيذ، التتبع .
ü الإعداد : تعتمد هذه المرحلة على تشخيص الوضع التعليمي وفق الاحتياجات الضرورية المعرفية والسلوكية والمهاراتية، فيتم اعتماد خطة واستراتيجية وفق مقاربة الأهداف .
ü التنفيذ : يتم تحديد الآليات الكفيلة بإنجاح المشروع بعد حصر الأدوار وفق علاقة تعاقدية بين الأطراف تضبط المهام والمسؤوليات، وتحديد السقف الزمني والإمكانات اللوجيستيكية من أدوات ووسائل العمل الكفيلة بتحقيق الأهداف .
ü التتبع : لا تنتهي العملية عند حدود إنجاز المشروع، بل تتعداه إلى مرحلة التتبع قصد تقويمه وتبيان مواطن الخلل فيه، بمعرفة مدى تحقق الأهداف، والكفايات المستثمرة، بالإضافة إلى التركيز على مدى مبادرة وانخراط الأطراف .
يقطع المشروع البيداغوجي أشواطا ليتم في النهاية الحكم بنجاحه أو فشله، فمن دون شك فهو يخدم جملة وظائف، تمثل بحق السبب الرئيسي في اعتماده كبيداغوجيا أو كمقاربة حكم عليها المهتمون بالنجاعة والفاعلية، فأين تتجلى وظائفه؟
ثامنا: وظائف المشروع الصفي
يقتصر المشروع البيداغوجي على المجال المدرسي الصفي، ويتم تنفيذه بتدخل فاعليـن أساسييـن يمثلون عناصر حاسمة في الحياة المدرسية، أما مشروع القسم فيمثل بدوره البعـد الإجرائي للمشروع التربوي، كما أنه يضم مكونات اندماجية ترتكز علـى مجموعـة من الكفايات من مختلف المواد يمكن أن تنجز من طرف جماعة الفصـل في إطار دينامي جماعي، خلال فترة زمنيـة محددة، وفق أهداف إجرائية يتم صياغتها لتحقيق النتائج المرجوة .
يسمح مشروع القسم بتعلم كيفية إدماج وتعبئة الموارد و المعارف في سياق مهاراتي لحل وضعية مشكلة تعترض المتعلم، أو لتحقيق مهمة ما، فالكفاية تشمل أعمالا مركبة انطلاقا من إدماج وتعبئة مجموعة من القدرات و المهارات المعرفية و الوجدانية و الحركية لأجل استثمارها بنجاعة في حل مجموعة من الوضعيات التي يشملها المشروع .
يتمثل الدور المفقود داخل المؤسسة التربوية في القيمة التي يمكن أن يمنح المتعلم من خلال حضوره بالفضاء المدرسي من خلال مقاربة المشروع البيداغوجي، لذلك يتعين إعطاء وجوده مكانة تتجلى في طبيعة الأعمال التي يشارك في إنجازها، ليتمكن من إيجاد معنى لوجوده ضمن الجماعة، حتى ينصهر داخلها باعتباره عنصر إنتاج في إطار دينامية تفاعلية، وتمكينه من تحقيق رغباته وميوله .
يعد مشروع الفصل مدخلا لإرساء علاقات تشاركية، كما يمكن من بناء علاقات تفاعلية قصد الرفع من المردودية، فمفهوم الشراكة يعني تفاعل وتداخل الأدوار بين المؤسسة المدرسية ومكونات المحيط، ويمثل التشارك والتعاقد الدعوة للعب أدوار حيوية لإنجاز مهام، وهي علاقة مبنية على مشروع مشترك بين أطراف تتقاسم نفس التوجه ونفس الأهداف، تتجلى من خلال تبادل المعلومات والموارد في منحى تكاملي .
تاسعا: بطاقة تقنية للمشروع الصفي
المؤسسة: م.م ابن جرير الطبري
الفئة المستهدفة : متعلمو المستوى السادس ابتدائي
الموسم الدراسي: 2014/2015
المشروع : تنمية قدرات المتعلمات والمتعلمين على اكتساب التقنيات الأولية للمعلومات واستثمارها عبر مراحل .
شعار المشروع : إدماج التقنيات الحديثة ضرورة من ضرورات العصر .
المدة الزمنية للمشروع : طيلة الموسم الدراسي .
1) الأطراف المشاركة في المشروع : الإدارة التربوية، نادي الإعلاميات، الأستاذ، المتعلمون.
2) المستفيدون و المستفيدات من المشروع : متعلمات ومتعلمو المستوى السادس .
3) تشخيص الوضعية الحالية :
ü نقاط الضعف :
ـ ضعف على مستوى المبادئ الأولى لدى أغلبية تلاميذ القسم .
ـ ارتباط الصعوبات بالعائق اللغوي .
ـ غياب ملكة البحث لدى جل المتعلمين .
ü نقاط القوة :
ـ توفر المؤسسة على قاعة متعددة الوسائط تحتاج فقط إلى تجهيزها بالحواسيب، وتواجد نادي الإعلاميات ضمن أنديتها التربوية.
4) أهداف المشروع:
ـ تعويد المتعلم على البحث الذاتي حتى يعتمد على نفسه و جهده بإرشاد من الأستاذ .
ـ تدريبه على استغلال أوقات فراغه في التردد على القاعة متعددة الوسائط تحت إشراف الأستاذ بهدف توسيع آفاق تفكيره و تركيز معلوماته .
ـ تنمية قدرته على التعامل مع الحاسوب .
5) مرحلة الإنجاز:
أـ تكوين ركن للإعلاميات بالفصل الدراسي :
مع بداية السنة الدراسية، يُقترح على المتعلمين بتخصيص ركن خاص بالإعلاميات بالفصل الدراسي، وتنظم عملية استعمال الحاسوب من طرف لجنة مكوَّنة من المتعلمين تحت إشراف المدرس .
ب- استثمار الموارد :
ـ دعوة المتعلمين إلى البحث والاطلاع على مواضيع لها علاقة بالمجالات المدروسة (في ركن الإعلاميات، القاعة متعددة الوسائط، نادي الإعلاميات)، حيث يتم تكليف مجموعات تصنف بحسب المجالات الدراسية .
ـ يتم استثمار نتائج البحث في حصص أسبوع الدعم الموجه لجميع المتعلمين، حيث تتولى كل مجموعة تقديم المادة الإعلامية ومضمونها وضع خلاصة لها لها، ثم تكلف المجموعات بالبحث عن مواضيع ومكونات أخرى استعدادا للحصة المقبلة .
6) موارد المشروع:
ـ البشرية: الأطر التربوية و الإدارية والمتعلمون .
ـ المادية: المكتبة الرقمية، حواسيب ...
7) التتبع و التقويم:
أ) التتبع و التقويم الداخلي :
ـ يتتبع المدرس إنجاز الأعمال، ويقوم بتقويمها بانتظام .
ـ تنظيم ورشات للتقاسم مع مشروع قسم تلاميذ المستوى السادس من مؤسسة تعليمية أخرى في إطار التوأمة .
ب) التتبع والتقويم الخارجي :
من طرف إدارة المؤسسة، المسؤول عن تتبع المشاريع إقليميا، مكتب نادي الإعلاميات .
عاشرا: خاتمة
إن المشروع التربوي الصفي يدفع بالمتعلم نحو ميل حقيقي إلى إنجاز أعمال نابعة من ميوله واهتمامه، فيكتسب من خلالها قدرات ومعارف ومهارات يوظفها في حياته اليومية، وتساعده على مواجهة وضعيات تتطلب حلولا، فتسمح مقاربة العمل بالمشاريع ببناء تعلمات جديدة من خلال إنماء روح المبادرة التنافسية وتشجيع العمل الجماعي، مما يخلق حافزا حقيقيا للتعلم الذاتي، ويمكن من صنع الفكر التعاوني، وينشط الدوافع الداخلية، ويقوي الرغبة في الانخراط والمشاركة .
تتجلى أهمية مشروع الفصل الدراسي في كونه مجالا يعطي المتعلم القابلية على اكتساب معارف في ظرف زمني محدد من خلال استخدام مهاراته، وكذا اكتساب القدرة على تحمل المسؤولية، بالإضافة إلى استثمار تقنياته لتحقيق أهداف تعلمية.
المصادر والمراجع المعتمدة:
v د. محمد الدريج: مشروع المؤسسة والتجديد التربوي في المدرسة المغربية، الجزء الثاني، منشورات رمسيس، الرباط، ط 1 ، 1996
v معجم مصطلحات المناهج وطرق التدريس، من إعداد فريق عمل يرأسه د. محمد الدريج
v الميثاق الوطني للتربية والتكوين: وزارة التربية الوطنية
v بيداغوجيا الكفايات: عبد الكريم غريب
v المذكرة الوزارية رقم:199 بتاريخ 5 غشت 1992
v المذكرة الوزارية رقم: 73 بتاريخ 12 أبريل 1994
v المذكرة الوزارية رقم: 27 بتاريخ 24 فبراير 1995
مقاربة المشروع التربوي الصفي
أنجز من طرف : عبد الحفيظ زياني
رقم التأجير: 55872
المؤسسة: م.م ابن جرير الطبري
جماعة تافوغالت
نيابة : بركان
البريد الإلكتروني: ziani205@gmail.com