محمد الشلوشي
احتفى الموقع الرسمي للمجلس الاعلى للتعليم تحت خبر سار بمصادقة البرلمان بالإجماع على القانون المتعلق بالمجلس الاعلى للتربية والتكوين المرتقب ،وهو القانون الذي وسع صلاحيات المجلس لتشمل كافة المنظومة التعليمية ،وحدد الخطوط العريضة لعمل المجلس وأجهزته التسييرية ،لكن المتتبع لمسار المناقشات التي صاحبت اقرار هذا القانون يذهل من تركيز نواب الأمة على ضمان اكبر تمثيلية للبرلمانيين والنقابات في تركيبة المجلس المتنافرة أصلا وإهمال الجوهر التعليمي ،وبهذا ارتفعت تمثيلية النقابات الاكثر تمثيلية وحدها من خمسة أعضاء الى 12 عضوا بعدما أصبحت المناصفة مشجبا لإرضاء الخواطر وتوزيع الريع التعليمي .
لا أحد ناقش بجدية كافية علاقة المجلس الاعلى للتربية والتكوين المرتقب بوزارة التربية الوطنية وحدود التماس بينهما ،ولا يمكن بأي حال من الاحوال أن يكون هذا المجلس بقوة تركيبته مجرد ناد للتفكير في شؤون التربية بدور استشاري واقتراحي فقط دون طابع الزامي لقراراته تجعله مؤسسة دستورية فاعلة كما ينص القانون المؤسس لها ،واذا علمنا أن الهيئة الوطنية لتقييم منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي هي أقوى مؤسسة في المجلس الاعلى للتربية الجديد لجسامة الادوار الموكولة لها من حيث تقييم نجاعة المنظومة التربوية بيذاغوجيا وماليا وفق المعايير الدولية فإن سؤالا عريضا يطرح نفسه حول تداخل اختصاصات هذه الهيئة مع مديريتي التقويم والإستراتيجية والتخطيط المركزيتين بالوزارة ،وما الهامش الجديد لتحرك المركز الوطني للتجديد التربوي والتجريب في تطوير المنظومة التعليمية وهل ستتغير مهمته في اتجاه المساعدة في تنفيذ اقتراحات مكتب المجلس الاعلى للتربية والتكوين .
أما تركيبة المجلس للتربية فقد نحت لنفس منطق تركيبة المجلس الاقتصادي والاجتماعي رغم تباين أهداف ودور المجلسين ،بحيث تم اشراك أطياف متعددة ومتنافرة الغايات والمقاصد ،وتنوعت من جهة بين الاعضاء المعينين لخبرتهم واختصاصهم والمعينين لصفتهم الحكومية أو لبعض الهيئات والمؤسسات ، ومن الاعضاء 54 الممثلين لمؤسسات التربية والتكوين استحوذت النقابات منها على 24 عضوا كاملا زائد ثلاثة برلمانيين ،ولم يمنح للفاعلين الحقيقيين على الميدان أساتذة ومديرين ومفتشين سوى ممثلا يتيما لكل فئة،علما أن النقابات التعليمية وجدت لإحداث بعض الضجيج بعد الاصلاح وليس قبله كما هو متعارف عليه في قاموس النقابات عالميا لتعديل كل اعوجاج عن المسار الصحيح للإصلاح في شقه التطبيقي والتنفيذي على الارض ،ونجاح بعض النواب والمستشارين النقابيين اليوم في تركيز تمثيليتهم في المجلس الاعلى للتربية مؤشر مفزع سيفرغ هذا المجلس من قوته الاقتراحية والتقريرية لتعدد ألوان الطيف النقابي وتضارب المصالح ،وسيخلق أقطابا ومراكز رأي سياسية ونقابية قوية داخله قد تجر النقاش لمجالات فئوية وهامشية تخدم أغراضها ما ظهر منه وما بطن ،وستعرقل كل اصلاح جدي قد يخرج كعكة التعليم من رحمة لوبيات طالما استفادت طويلا من ريع تعليمي متشابك جدا تختلط فيه روائح الصفقات العمومية بواجهات اصلاحية براقة وخادعة .
ويبقى تمثيل بقية الاعضاء الاخرين من تلاميذ وطلاب وممثلي جمعيات الاباء والجماعات الترابية وجمعيات المجتمع المدني والمقاولات مجرد ديكور غير فاعل بقوة الواقع لتأثيث المشهد وزخرفته في ميدان جد حساس ومصيري لمستقبل الدولة المغربية ككل .والأدهى من ذلك هو تخصيص ثلاثة اعضاء فقط للتعليم الخصوصي مع أن المشهد التربوي اليوم يشهد أكبر نزوح جماعي للمدارس الخاصة من جميع أطياف الطبقة المتوسطة المغربية فما فوقها،وتكاد المؤسسات الخصوصية تتحكم اليوم في المخرجات الكبرى للنظام التعليمي برمته ،وبالتالي تفرض متابعة وتدقيقا كبيرا لمدخلاتها ومناهجها وأساليب تدريسها وجودتها ومطابقتها للمعايير الوطنية والدولية بأكبر جهد ممكن.ثم كيف لهذا الشتات الكبير من المتدخلين في أعمال لجان هذا المجلس الخروج بقرارات جريئة ومؤلمة تقطع مع كل المظاهر التوافقية التي نسفت الاصلاحات السابقة وعجلت بتدهور المنظومة التعليمية لمستويات غير مشرفة لم تعد تنتج إلا عنفا اجتماعيا وخواء ثقافيا وهشاشة في الاختيار والاستقلالية الفكرية والتدبيرية .
إن الرأي العام الوطني ينتظر اخبارا سارة حقيقية للمجلس الاعلى للتربية والتكوين تنقذ تعليمه من وحل الاعطاب المزمنة والمراتب المتأخرة في التصنيفات العالمية ،وتهيئه لتشكيل جيل جديد فخور بمدرسته ووطنه بعيدا عن المزايدات السياسية والنقابية الرخيصة والانتهازية الجشعة في البطن الرخو للدولة المغربية ـ التعليم ـ فهل سيفعلها السيد عمر عزيمان ؟